دعوة لتحقيق فوري.. وفاة ريم حامد في ظروف غامضة تضع حقوق الإنسان أمام تحدٍ جديد

دعوة لتحقيق فوري.. وفاة ريم حامد في ظروف غامضة تضع حقوق الإنسان أمام تحدٍ جديد
الباحثة ريم حامد

وفاة ريم حامد تستدعي تحقيقاً دولياً ومحاسبة المتورطين

حقوقي: المجتمع الدولي مسؤول عن تحقيق العدالة لريم حامد وضمان عدم الإفلات من العقاب

قانوني يطالب المجتمع الدولي بكشف الحقيقة وإنصاف حقوق الضحية

 

استيقظ المصريون على خبر وفاة الباحثة المصرية الشابة، ريم حامد، في ظروف غامضة، خبر قاسٍ خاصةً أنه جاء بعد سلسلة من الاستغاثات التي أطلقتها ريم عبر حساباتها على وسائل التواصل الاجتماعي؛ ما أثار حالة من الجدل والتساؤلات حول ملابسات رحيلها المأساوي.

ريم حامد، البالغة من العمر 23 عاماً، كانت قد غادرت وطنها مصر إلى فرنسا بحثاً عن المعرفة، حاملةً معها أحلاماً وطموحات كبيرة في مجال التكنولوجيا الحيوية وعلم الجينات. بدأت مسيرتها الأكاديمية بالحصول على درجة البكالوريوس في التكنولوجيا الحيوية من جامعة القاهرة، ثم انتقلت إلى فرنسا حيث نالت درجة الماجستير في علم الجينوم من جامعة باريس ساكلاي، وكانت تسعى للحصول على درجة الدكتوراه في الجامعة نفسها.. طوال هذه الرحلة، كانت ريم تقيم في مدينة ليس أوليس الفرنسية، وتعيش في سكن جامعي، وهي غارقة في أبحاثها العلمية.

وراء هذا الوجه الأكاديمي المشرف، كانت ريم تعيش تجربة مروعة لا يعلم بها الكثيرون، فقد كشفت في منشوراتها الأخيرة على وسائل التواصل الاجتماعي عن تعرضها لمضايقات وتهديدات خطيرة، في إحدى تلك المنشورات، كتبت ريم: “أقر أنا ريم حامد، طالبة دكتوراه في فرنسا، بأنني في أشد الحاجة لتبليغ الجهات المعنية في مصر، لأني تحت المراقبة وأجهزتي مخترقة، وفوق هذا يتم إجباري حالياً على السكوت والصمت وعدم التبليغ”، كانت كلماتها تحمل بين سطورها صرخة استغاثة صامتة، استغاثة لم تجد من يسمعها في الوقت المناسب.

وفاة ريم حامد لم تكن مجرد خبر عابر، بل تحولت إلى قضية رأي عام في مصر، فقد تفاعل الملايين مع هذه المأساة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وحاول الجميع فك ألغاز ما حدث لتلك الباحثة الشابة. 

بعضهم ربط وفاتها بالتهديدات التي تلقتها، بينما انشغل آخرون في البحث عن أسباب أخرى، ومع ذلك، ما زاد الأمور غموضاً هو ما نشرته ريم قبل وفاتها على منصة "إكس" (تويتر سابقاً)، حيث تحدثت عن محاولة اغتيال وتجسس تعرضت لها من قبل إحدى جاراتها، التي زعمت أنها رشّت مواد مخدرة على باب شقتها، ما تسبب لها في زيادة نبضات القلب وضيق التنفس، لكن وفي خطوة أثارت الكثير من التساؤلات قامت ريم بحذف هذه المنشورات قبل وفاتها بفترة وجيزة، ما زاد الشكوك حول ما إذا كانت قد تعرضت لضغوط لطمس تلك الأدلة الرقمية.

في مصر، أثار هذا الحدث المأساوي موجة من الحزن والغضب، خاصة بين الأكاديميين والطلاب إلا أن شقيقها، نادر حامد، حاول كبح جماح الشائعات المتداولة، مؤكداً عبر حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي أن الأسرة ترفض الترويج لفكرة اغتيال شقيقته دون أدلة جنائية واضحة. 

وأوضح نادر أن أي حديث عن تفاصيل الوفاة دون سند قانوني قد يضر بمصلحة شقيقته ويمس بسمعتها.

وفي هذا السياق، أكد نادر أن الأسرة قد وكلت مكتب محاماة لمتابعة القضية والدفاع عن حق ريم، وأشار إلى أن القضية ما زالت قيد التحقيق أمام النيابة الفرنسية، ولم يصدر حتى الآن أي تقرير رسمي يحدد سبب الوفاة أو يؤكد أو ينفي وجود شبهة جنائية. 

وطالب الجميع بتوخي الحذر في تداول الأخبار المتعلقة بهذه القضية، احتراماً لسير العدالة وحفاظاً على حق ريم.

ولم تسفر التحقيقات الجارية في فرنسا حتى الآن عن نتائج حاسمة، تاركةً وراءها الكثير من الأسئلة دون إجابات. 

على الصعيد الدبلوماسي، تتابع السفارة المصرية في باريس عن كثب تطورات القضية، حيث أكدت وزارة الخارجية والهجرة وشؤون المصريين بالخارج في بيان رسمي أنها تعمل على متابعة التحقيقات بالتنسيق مع السلطات الفرنسية.

وأوضح البيان أن وزير الخارجية والهجرة السفير بدر عبد العاطي، قد وجه بسرعة إنهاء كل الإجراءات اللازمة لاستخراج شهادة الوفاة وشحن جثمان ريم إلى مصر فور انتهاء التحقيقات.

وفي بيان آخر، أعربت وزارة الخارجية والهجرة وشؤون المصريين بالخارج عن بالغ أسفها لوفاة ريم، وقدمت تعازيها الحارة إلى أسرتها، وأكد البيان أن الوزارة تواصل العمل مع السلطات الفرنسية لضمان تحقيق العدالة والكشف عن حقيقة ما جرى لريم.

ويرى الخبراء أن رحيل ريم حامد ليس مجرد حادث وفاة غامض في سجل المغتربين المصريين، بل هو مأساة إنسانية بكل ما تحمله الكلمة من معنى، هذه الشابة التي كانت تكرس حياتها للعلم والبحث، انتهت حياتها في ظروف ما زالت تحيط بها علامات استفهام كبيرة. 

من خلال هذه القضية، تتجدد التساؤلات حول الحماية التي يجب أن توفرها الدول لمواطنيها في الخارج، خاصةً عندما يتعلق الأمر بشباب مثل ريم، ممن يواجهون تحديات غير متوقعة في بيئاتهم الجديدة.

وبينما ينتظر الجميع نتائج التحقيقات النهائية، يبقى السؤال الأهم.. هل كان بالإمكان إنقاذ ريم؟ وهل سيُكشف في النهاية عن حقيقة ما حدث لها؟ 

هذه الأسئلة ربما لن تجد إجاباتها قريباً، لكن ما يجب أن نؤمن به هو ضرورة تحقيق العدالة، وضمان ألا تتكرر مأساة ريم مع أي باحثة أخرى تسعى لتحقيق أحلامها في عالم قد يكون قاسياً وغير آمن. 

قصص مؤلمة لمصريين بالخارج

في السنوات الأخيرة، تكررت قصص المصريين الذين واجهوا مصائر غامضة أثناء إقامتهم في الخارج، ما يسلط الضوء على التحديات التي تعترض طريقهم في رحلتهم للبحث عن فرص تعليمية أو مهنية أفضل.

إحدى هذه القصص كانت وفاة الشاب المصري محمد باهر صبري في إسطنبول عام 2020. 

محمد، الذي كان يبلغ من العمر 28 عاماً، عُثر عليه ميتاً في شقته بعد أيام من اختفائه، ورغم التحقيقات المكثفة التي أجرتها السلطات التركية، بقيت ظروف وفاته محاطة بالغموض، ما أثار شكوك عائلته حول احتمال تورطه في قضايا سياسية أو جنائية.

توجد قصة أخرى مشابهة هي اختفاء الشاب إبراهيم محمود في إيطاليا عام 2019، والذي كان يعمل في الزراعة بمنطقة كالابريا، لكنه لم يعد إلى منزله بعد يوم عمل شاق. 

بعد أسابيع من البحث، عُثر على جثته في إحدى المزارع، وظروف وفاته لا تزال مجهولة، ما أثار مخاوف وسط الجالية المصرية في إيطاليا، خاصة في ظل تقارير تشير إلى استغلال بعضهم أو تعرضهم لمضايقات عنصرية.

ولا تقتصر هذه الحوادث على أوروبا فقط، ففي موسكو عام 2017، عُثر على جثة الطالب أحمد عبدالعظيم، الذي كان يدرس الهندسة في جامعة موسكو، في إحدى الغابات القريبة من العاصمة الروسية بعد اختفائه لعدة أيام، ورغم التحقيقات المكثفة، لم تتوصل السلطات إلى أسباب قاطعة لوفاته، ما أثار تساؤلات حول أمان الطلاب في الخارج.

مع وجود نحو 9.5 مليون مصري يعيشون خارج البلاد، يشكل هؤلاء جزءاً من قوة العمل المهاجرة التي تسعى لتحسين ظروفها المعيشية أو الحصول على تعليم أفضل، ومع ذلك، فإن هذه الرحلة غالباً ما تكون محفوفة بالمخاطر، حيث يواجه المصريون في الخارج تحديات تتراوح بين الغربة الثقافية والاستغلال في العمل والمخاطر الأمنية.

الطالب المصري باهر صبري المقتول في تركيا

المطالبة بالعدالة.. حقوق الإنسان ومسؤولية التحقيق 

وفي السياق، قال رئيس المرصد التونسي لحقوق الإنسان مصطفى عبدالكبير، إن حادث وفاة الباحثة المصرية ريم حامد في باريس تحت ظروف غامضة تستدعي تحقيقاً فورياً وشاملاً لضمان العدالة وكشف الحقيقة، فوفاة شابة واعدة مثل ريم تثير تساؤلات حول حقوق الإنسان، وتضع مسؤولية كبيرة على عاتق المجتمع الدولي والناشطين الحقوقيين لضمان محاسبة المتورطين.

وقال عبدالكبير، في تصريحاته لـ"جسور بوست"، إن المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان تقتضي أن يكون لكل فرد الحق في الحياة والأمان الشخصي والحماية من التعذيب والمعاملة القاسية. هذه الحقوق، التي تم تكريسها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، تعد أساساً لا غنى عنه لأي مجتمع. إذا ثبت وجود شبهة جنائية وراء وفاة ريم، فإن ذلك يعد انتهاكاً صارخاً لهذه الحقوق، ويجب أن يُقابل بإجراءات صارمة لمحاسبة المسؤولين.

وأكد خبير حقوق الإنسان أن استغاثة ريم قبل وفاتها بساعات يُبنى عليه الكثير، وقد أعربت عن مخاوفها من التعرض للتجسس والمراقبة، وشعرت بالضغط والإرهاب، هذه الإشارات لم تحظَ بالاهتمام الكافي، وهو ما يسلط الضوء على الحاجة الملحة للاستجابة الفورية لأي تهديدات تتعلق بأمن الأفراد، فالمجتمع الدولي لا يمكنه أن يتجاهل هذه التحذيرات، ويجب أن يضمن أن يتم التحقيق فيها بجدية ومسؤولية.

واستطرد: المطالبة بالعدالة لريم حامد تتجاوز مجرد معرفة أسباب وفاتها؛ ويجب أن تشمل محاسبة جميع الأطراف المتورطة، فالإفلات من العقاب يمثل خطراً كبيراً على سيادة القانون، ويجب أن يتم التعامل معه بحزم لضمان عدم تكرار مثل هذه الحوادث من الضروري أن تتخذ السلطات الفرنسية والمصرية إجراءات قانونية حازمة لضمان تحقيق العدالة.

وأكد ضرورة متابعة السلطات المصرية القضية بشكل دقيق وأن تضمن عودة جثمان ريم إلى مصر بكرامة، ويتعين على الحكومة المصرية تقديم الدعم اللازم لأسرة ريم في سعيها لتحقيق العدالة، بما في ذلك الدعم القانوني الكامل لضمان حقوقهم.

وشدد على أنه لا يمكن للمجتمع الدولي أن يغفل عن حقيقة أن حقوق الإنسان غير قابلة للتجزئة، وأن أي انتهاك لهذه الحقوق يجب أن يُقابل برد فعل حازم، ووفاة ريم حامد تذكرنا بضرورة المطالبة بتحقيق دولي مستقل إذا لم تكن التحقيقات المحلية كافية.. هذه القضية يجب أن تكون محور اهتمام المجتمع الدولي لضمان عدم تكرار مثل هذه المآسي.

مصطفى عبدالكبير

وأتم: تضع وفاة ريم حامد على عاتقنا مسؤولية كبيرة للدفاع عن حقوق الإنسان والدعوة لتحقيق العدالة… يجب أن تكون هذه القضية نقطة تحول لتعزيز حماية الأفراد من أي تهديدات، سواء كانوا في أوطانهم أو في الخارج، فالسكوت عن الظلم يعتبر مشاركة فيه، والنضال من أجل حقوق الإنسان هو واجب لا يتوقف عند حدود الوطن أو الجنسية.

تحليل قانوني

وبدوره، قال خبير القانون الدولي، الأكاديمي مصطفى سعداوي، إن قضية مقتل الباحثة المصرية ريم حامد في باريس، تتداخل فيها جوانب قانونية ودولية معقدة تتعلق بالولاية القضائية، وحقوق الإنسان، وحماية المواطنين في الخارج. 

وأثارت وفاة ريم حامد في ظروف غامضة العديد من التساؤلات حول الإجراءات التي اتخذتها السلطات الفرنسية والمصرية لضمان تحقيق العدالة.

من الناحية القانونية، قال سعداوي في تصريحاته لـ"جسور بوست"، إن مسؤولية التحقيق الأولي تقع على عاتق السلطات الفرنسية، حيث إن الحادثة وقعت على الأراضي الفرنسية.. بموجب القانون الفرنسي، يجب على الشرطة فتح تحقيق شامل في أي حالة وفاة غير طبيعية، يتضمن إمكانية تشريح الجثة لتحديد سبب الوفاة.. ويجري هذا التحقيق تحت إشراف النيابة العامة، وفي حال وجود شبهة جنائية، يتم تعيين قاضي تحقيق لضمان جمع الأدلة بشكل سليم وشفاف.

وذكر أن القانون الفرنسي يضمن لعائلة الضحية حق الاطلاع على تفاصيل التحقيق وتعيين محامٍ لتمثيلهم، وفي حالة ريم حامد اتخذت العائلة هذا المسار، حيث تم تكليف محامٍ بمتابعة القضية والتنسيق مع السلطات الفرنسية.

وأضاف الخبير القانوني: من الجانب المصري، تتحمل السلطات مسؤولية متابعة حالة مواطنيها في الخارج وضمان التحقيق العادل والشفاف في مثل هذه الحالات.. وفقاً للقانون المصري والدولي، تلتزم الدولة المصرية بالتواصل المستمر مع السلطات الفرنسية لضمان سير التحقيقات، وللتأكد من وصول الجثمان إلى مصر إذا اقتضى الأمر.

وعن حقوق أسرة ريم حامد في متابعة القضية، أكد الدكتور مصطفى سعداوي أنها تتعزز من خلال الاتفاقيات الدولية التي تحمي حقوق الضحايا وأسرهم، مثل "العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية"، والذي يكفل حق كل فرد في الحياة ويفرض على الدول واجب حماية الأفراد من التعرض للقتل خارج إطار القانون.. تشمل هذه الاتفاقيات أيضاً حق العائلات في الحصول على تعويض عادل إذا ثبت تقصير من قبل الدولة أو جهة أخرى.

واسترسل: التعاون القانوني بين فرنسا ومصر، وفقاً للاتفاقيات الثنائية والمعاهدات الدولية، يتيح تبادل المعلومات والمساعدات القانونية في القضايا التي تتطلب تحقيقات مشتركة.. إذا أثبت التحقيق تورط طرف ثالث في وفاة ريم، فيمكن للسلطات المصرية طلب تسليم المتهمين للمحاكمة في مصر أو متابعة القضية ضمن إطار النظام القانوني الفرنسي.

الدكتور مصطفى سعداوي

وأوضح سعداوي أنه على المحامي المكلف بالقضية أن يضمن عدم تسييس القضية، والحفاظ على حقوق أسرة ريم في جميع مراحل التحقيق، كما يجب التأكد من أن التحقيقات تتم بشفافية ووفقاً للمعايير القانونية الدولية، والمطالبة بالعدالة والتعويض المناسب إذا ثبت وجود تقصير أو إهمال. 

وفي النهاية، تبقى العدالة في قضية ريم حامد مسؤولية مشتركة بين السلطات الفرنسية والمصرية، مع دعم قانوني مستمر لكشف الحقيقة وحماية حقوق الضحية وأسرتها.

 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية